من المعلوم أن التشريعات الجنائية المعاصرة تقوم علي مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص وهو ما يسمى بمبدأ الشرعية الجنائية، فالقانون هو الذي يحدد التجريم والعقاب عليه ، أي أن هذا المبدأ يستلزم وجود قاعدة قانونية تحرم السلوك وتعاقب عليه ، كما يستلزم ان تكون القاعدة الجنائية سارية في الزمان والمكان الذي ارتكبت فيه الجريمة وهذا ما يقتضي تحديد نطاق سريان القاعدة الجنائية من حيث الزمان والمكان .
وقد نصت المواثيق والمعاهدات الدولية علي هذا المبدأ حتى تضمن سلامة تطبيقه وأعماله في الدساتير الوطنية باعتباره حقا قانونيا ودستوريا يجب الا يحرم منه أحد وهذا ما نص عليه الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة (1948) واستقر في وجدان الجماعة الانسانية ، وصارت لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص سابق يحدد الافعال التي تشكل جريمة من الجرائم وتبين العقوبة المناسبة لها.
و يذكر أن هذه القاعدة ترجع في أصولها إلى الثورة الفرنسية التي عبرت عن آراء فلاسفة القرن الثامن عشر وتعد سياجا للحرية الشخصية للأفراد والتي تنحصر في فعل ما يبيحه القانون لا في فعل ما يريده الفرد، فقد وردت لأول مرة ضمن ما أعلنته الثورة الفرنسية من حقوق للإنسان، ثم نص عليها في المادة الرابعة من قانون العقوبات الفرنسي الصادر 1810 كما أن النظام الاساسي للحكم في المملكة العربية السعودية قد نص في المادة (38) منه على: (العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي نص شرعي أو نص نظامي ولا عقاب إلا علي الاعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي ) .
وخلافا لما هو شائع عن أن هذا المبدأ جاء بعد الثورة الفرنسية سنة 1789 فإن أصل هذا المبدأ نجده في الشريعة الإسلامية التي عرفت هذه القاعدة من مدة تزيد عن أربعة عشر قرنا ، والواقع أنه ليس في نصوص القرآن والسنة نص واضح الدلالة على العمل بهذه القاعدة في مجال التشريع الجنائي أو بعبارة أخرى فإنه ليس هناك نص بعينه يفيد الأخذ بهذه القاعدة في التشريع الجنائي الإسلامي ومع ذلك فإنه يمكن استنتاج القاعدة من بعض النصوص القرآنية ومن القواعد الأصولية .
فأما آيات القرآن الكريم فمنها قوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا".
كما نجد الاشارة إليه في قاعدتين اصوليتين هما
1- لا حكم لأفعال العقلاء قبل ورد النص.
2- الأصل في الاشياء والأفعال الاباحة .
ويترتب علي قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص نتائج هامة منها :
• عدم رجعية القانون .
• قصر التجريم وترتيب العقوبات علي القانون المكتوب دون غيره من المصادر القانونية .
غير أن الشريعة الإسلامية لا تطبق هذه القاعدة على إطلاقها في كل الجرائم والعقوبات بل ميزت في لتطبيق بين :-
• جرائم الحدود
• و جرائم القصاص
• و جرائم التعزير
تعليقات
إرسال تعليق